[table1="width:100%;background-image:url('http://i4joqw.bay.livefilestore.com/y1pEbeNBscT8HOXIgQqlA-_1XEohnOUyQbAAWJy2hYa1f2A6BMyXJegd_DMR9EmYLQYk6oCz kanE1g/%D9%82%D9%82%D9%82%D9%82%D9%82%D9%82%D9%82%D9%82%D 9%82%D9%82%D9%82%D9%82%D9%82.jpg');"][cell="filter:;"][align=center]
مشاركة من : القدس عربية
رسولٌ أتى للخلقِ رحمة .... وجآء بنورٍ للأنآم وفرقانِ
الرحمة خُلُق أساسي في سعادة الأمم .. وفي استقرار النفوس .. وفي أمان الدنيا ..
فإذا كان الموضوع خاصًا بالرحمة في حياة الرسول فإنه يكتسب أهمية خاصة ..
لأنه يناقش أرقى وأعلى مستوى في الرحمة عرفته البشرية ..
وهي الرحمة التي جعلها الله عز وجل مقياسًا للناس..
فإنه قال في كتابه: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"
فرحمته ليست محدودة بمكان أو بزمان .. إنما هي لكل العالمين .. منذ بعثته وإلى يوم الدين ..
وحيث أنَّ كل طائفة تُعرِّف الرحمة وعموم الأخلاق من منظورها وحسب مصالحها ..
وجب أن يكون هناك معيار ثابت لهذه الرحمة يحتكم الناس إليه عند الاختلاف ..
وهذا المعيار هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ..
وإذا أضفنا إلى ما سبق أن العالم الآن بشتى طبقاته وبلاده وسكانه يعاني من فقدان للرحمة
في معظم التعاملات وفي شتى المجالات وأصبحت القسوة والعنف سمات رئيسية من سمات الحياة
إذا أضفت ذلك علمت أن دراسة الرحمة النبوية تُعد أمرًا ضروريًا
للخروج من الأزمات المتلاحقة التي يعانيها العالم في كل مكان ..
ويضيف إلى أهمية الموضوع
تلك الهجمات الشرسة التي تستهدف رسولنا العظيم
والتي يطلقها الآن الكثير من الغربيين والشرقيين ..
بل وأحيانًا من أبناء المسلمين العلمانيين ..
والذين يحزنهم أن يجدوا رسول الله قدوة – ليس فقط للمسلمين – ولكن للبشر أجمعين ..
وليست رسوم الكاريكاتير الدنماركية ببعيدة ..
وليست كلمات البابا الكاثوليكي في ألمانيا عنا بخافية ..
وليست الافتراءات المشاهدة على صفحات الجرائد .. وعلى شاشات الفضائيات بقليلة !!
إن الخطب جلل .. وإن الكارثة عظيمة .. وما أشد خسارة البشرية
لو جهلت قيمة خير مخلوق وأعظم رسول وأرحم من سار على هذه الأرض ..
إننا لن نستطيع أن نستوعب مفهوم الرحمة في عين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
إلا بالرجوع أولاً إلى المصدر الرئيسي الذي كَوَّن هذا المفهوم عنده وهو القرآن الكريم ..
إن أول ما يلفت الأنظار في كتاب رب العالمين وهو دستور المسلمين
وأهم مصادر التشريع أن كل السور فيه - باستثناء سورة التوبة -
قد صُدِّرت بالبسملة..
وأُلحِق بالبسملة صفتا الرحمن الرحيم .. وليس يخفى على أحد أن تصدير
كل السور بهاتين الصفتين أمر له دلالته الواضحة
على أهمية الرحمة في التشريع الإسلامي .
لقد انفردت صفة الرحمة في القرآن الكريم بالصدارة ..
وبفارق كبير عن أي صفة أخلاقية أخرى ..
فبينما تكررت صفة الرحمة بمشتقاتها ثلاثمائة وخمس عشرة مرةً ..
جاءت صفة الصدق مثلاً مائة وخمسًا وأربعين مرةً ..
وجاءت صفة الصبر تسعين مرة ..
وجاءت صفة العفو ثلاثًا وأربعين مرة ..
وجاءت صفة الكرم اثنتين وأربعين مرةً ..
وجاءت صفة الأمانة أربعين مرةً ..
وجاءت صفة الوفاء تسعًا وعشرين مرةً .. وهكذا !
إنَّ هذا ليس مصادفة بحال من الأحوال ..
وحاش لله أن تكون هناك أمور عشوائية في كتاب رب العالمين ..
فهو الحق الذي لا باطل فيه .. وكل كلمة وحرف فيه نزل بقَدَر ولهدف ..
إن هذا كله يفسِّر لنا الكثير من الأحاديث ..
التي ذكرها رسول الله والتي تصف رحمة ربِّ العالمين ..
فيروي أبو هريرةرضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال :
"إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي
فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ"
فهذا إعلانٌ واضح أن الرحمة مقدمة على الغضب ..
وأن الرفق مقدم على الشدة .
وليست هذه الرحمة الغامرة في الدنيا فقط .. بل إن الرحمة الأعظم والأشمل ستكون يوم القيامة ..
وهذا ما بشَّرنا به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عندما قال :
"إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ،
كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؛
فَجَعَلَ مِنْهَا فِي الْأَرْضِ رَحْمَةً فَبِهَا تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا
وَالْوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُالْقِيَامَةِ أَكْمَلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ"
فإذا أضفنا إلى كل ما سبق أن الله عز وجل وضَّح الهدف من الرسالة والبعثة بأنه فقط رحمةٌ للعالمين ..
وذلك حين قال: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"
إذا أضفنا هذا المعنى إلى كل ما سبق أدركنا حقيقةَ أنَّ أقوال وأفعال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
ما هي إلا ترسيخ لمعنى الرحمة .. وما هي إلا تطبيق فريد لهذا الخُلُق العظيم
في كل كلمة من كلماته وفي كل حركة من حركاته ..
عند وضع كل هذه الخلفيات في الذهن .. فإننا نفهم سلوك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حياته ..
ونفهم أقواله وأفعاله .. إنه كان ينطلق من هذه المباديء المهمة وهي :
- إن الله رحمن رحيم ..
- وإن رسول الله رحمة مُهداة إلى العالمين ..
- وإن الرسالة في أصلها وطبيعتها رحمة بالناس أجمعين ..
من هذا المنطلق أيضًا جاءت كلماته في قضية الرحمة عمومية شاملة ..
تحوي مع قلة ألفاظها معانٍ هائلة .. وتشمل مع إيجازها المعجز كل من يعيش على ظهر الأرض ..
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
"من لا يَرْحَم لا يُرْحَم"
هكذا على إطلاقها تأتي العبارة مَن لا يَرحم العباد - دون تحديد ولا تقييد - لا يرحمه الله عز وجل ..
ويقول أيضًا: "ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ"
وكلمة "مَنْ" تشمل كل مَن في الأرض ..
ويقول كذلك: "إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ"
[/align][/cell][/table1]