قصة كهذه ، شخصيات كهذه ، مأساة كهذه ، لا بد لها من من مخرج عبقري ، ليستطيع أن يقدم صورة واقعية
أو بمعنى أصح صورة إنسانية لأحداث درامية كهذه . ولكن ما فعله "ماني راتنام" المخرج ، أروع وأفضل مليون
مرة من ماقدمه "ماني راتنام" المؤلف ، لقد قدم لنا صورة سينمائية خلابة ، التصوير كان مذهلا بحق ، إختياره
للمناطق الجبلية في بداية الفيلم كانت خطوة موفقة جعلت الفيلم يتوغل في قلوب المشاهدين بإنسيابية تامة ، تحريره للمشاهد و عدم إستخدام القطع الحاد كان عنصرا هاما ساهم في عدم شعوري بالملل طوال فترة المشاهدة.
الموسيقى التصويرية يجب أن نتحدث عنها في موضوع منفصل ، لقد كانت كالسهم الذي يخترق جدار القلب
ليجعل المرء يشعر بذلك الالم المحبب الناجم عن تحريك المشاعر و إراقة الأحاسيس ، ربما كانت موسيقى
"دل-سي" التصويرية هي الافضل في الافلام الهندية قاطبة !!! يكفي أن أقول أن من شأنها أن تؤثر بكم نفس
التأثير الناتج عن أغنية "ليوناردو" المدرجة في المشهد الأوسطوري (مسرح الصمت) لتحفة "دافيد لينش" ( طريق مولهولاند) - ومن شاهد الفيلم يدري الاثر الذي تحدثه هذه الأغنية - .
السيناريو الذي خطه "ماني راتنام" يعد من أنجح سيناريوهات الأفلام الهندية ، ليس فقط لقدرته العجيبة على
تقديم مثل هذه الشخصيات المركبة نفسيا ، أو مواكبته للأحداث بطريقة إنسيابية ، ولكن مكمن إعجابي به هو
عدم وقوعه في فخ المبالغة و التفكك المعروف لدى سيناريوهات معظم الأفلام الهندية وللأسف العربية أيضا !!
فكل مشهد مرتبط بالمشهد الذي قبله ، لايوجد تلك المصادفات العجيبة أو الأحداث المصطنعة ، الحوار بسيط
وفي نفس الوقت معبر ، الأحداث كانت متناغمة و منتظمة من البداية للنهاية ، والنهاية نفسها جائت لن أقول صادمة و أنما موفقة و ذات دلالة هامة إستطاعة أن تلخص مغزى الفيلم ككل .
إدارة "ماني" للممثلين ، كان هو السبب الرئيسي في خروجه بهذا الشكل الرائع ، " شاروشخان" يقدم واحد من أروع أدوراه ، صادق في أفعاله وردود أفعاله ، نجح لدرجة الأبهار في إقناع المشاهدين بما مر عليه من
أحداث و تطورات ، مايعجبي شخصيا في أدائه هو قدرته على الأنسجام في معالم الشخصية الشيء الذي ينتج
عنه نجاحه في تسخير ملامح وجهه و جسده ككل لإيصال تلك المعالم ، وهاهو ذا في هذا الفيلم ينجح و بإقتدار
في إثبات موهبته التي للأسف الشديد قد بدأت في التقلص منذ دوره الأخاذ في الفيلم الدرامي الرائع ( ربما لا يكون هنالك غد ) .
ولكن بعيدا عن المجاملات ، فأني أعتقد أن "شاروشخان" لم يبدع ربع إبداع "مينيشا كوئيلالا" في هذا الفيلم ،
لقد كانت صادقة في كل لحظة ، جعلتني أتعاطف معها في البداية و أعشقها مثل "عمر" أو أكثر منه ربما ،
ونجحت في إثارة فضولي للبحث عن سر شخصيتها الغامضة ، لافاجأ بها و أحقد عليها ، تم تنجح مرة أخرى في
إثارة مشاعري لكي أشفق عليها و ألتمس لها العذر لما فعلته . ياله من أداء و يالها من ممثلة ، مشهد إصابتها
بالنوبة العصبية لوحده يثبت أنك أمام ممثلة عظيمة ، نظرات الخوف الدائمة على عيناها الحزينات ، و تعبيرات
وجهها الملائكي تجعل المرء يتسائل : ترى هل فعلا ، هي مجرد ممثلة أم أنها مرت بهذه الاحداث المأساوية . ولو
لم أكن قد شاهدت دور كل من "راني موخيرجي " في (black) و " بريتي زينتا " في ( ربما لا يكون هنالك غد ) و "كريشما كابور" في ( shakti ) لجزمت أن " مينيشا" أفضل ممثلة هندية بدون منازعة .
يتبع