محمد عبدالرحيم روائي وكاتب سيناريو مصري
«اسمي خان».. صرخة هادئة ضد العنصرية الأميركية
بعيداً عن السينما الهندية المألوفة بموضوعاتها الغارقة في الصُدف والميلودراما، والكلاشيهات الاستعراضية المُستهلكَة.. وبعيداً عن الأفلام الهندية التي تقلد أفلام الحركة الأميركية الرخصية، والتي لا تمت للسينما الحقيقية بصلة، يأتي فيلم «اسمي خان» ليصبح علامة فارقة على تطور الوعي السينمائي موضوعاً وتقنية، وليُعبّر برقة وحرفية درامية شديدة عن وضع دول العالم الثالث بالنسبة للسياسة الأميركية، وقد أصبح العالم الثالث، والإسلامي على وجه الخصوص، هو محور الشر، كما يقول ساسة وصحف الولايات المتحدة، رغم المحاولات الباهتة للبعض لنفي هذه التهمة، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. الفيلم بطولة شاه روه خان وكاجول ديفجان، ومن إخراج كاران جوهار.
وقد تم عرض الفيلم في العديد من دول العالم، ولقي إقبالاً شديداً عند عرضه في لندن، كما عادت به السينما الهندية لدور العرض المصرية، بعدما توقفت عن عرض الفيلم الهندي لمدة تزيد عن عشرين عاما، وتم عرضه مؤخراً في دور العرض الكويتية.
اسمي خان ولست إرهابياً
يُقدم بطل الفيلم ــ المُصاب بمرض التوحد ــ نفسه للعالم بهذه العبارة .. «اسمي خان ولستُ إرهابياً» ليحاول من البداية تحديد العلاقة بينه كأحد أفراد العالم الثالث، والعالم الإسلامي، كشخص مسلم يعيش في الولايات المتحدة، بعد تعقد العلاقات وتدهورها بين الشرق ـ منبع الشر ـ كما يراه الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، وبالتالي يتطرق الفيلم ليروي المشهد الاجتماعي الأميركي، من خلال زوجين بريئين، تحاصرهما السياسة، والدعاية العنصرية في كل مكان.
رضوان خان، زوج مسلم لامرأة هندوسية هي مانديرا، وهي مُطلقة، ولديها طفل وحيد. يعيشون في الولايات المتحدة، ويبدأ الجميع في النظر إليهم بريبة وشك دائمين، بعد أحداث 11 سبتمبر، نظراً لديانة الزوج، فقد أصبحت الولايات المتحدة جحيماً آخر، أعنف وأقوى من جحيم بلادهما.
خان علمته أمه منذ صغره أنه لا فارق بين البشر في العقائد، ولكن الفارق الوحيد يكمن في كونهم إما أخيار أو أشرار.
«كان الناسُ يؤرخون قبل الهجرة وبعد الهجرة، قبل الميلاد وبعد الميلاد، والآن يؤرخون ويصنفون قبل 11 سبتمبر وبعده» هذه الكلمات تتردد على لسان
«خان»، ونظراً لسياسة التقويم الجديدة، أو العنصرية الجديدة يتم قتل الطفل في ساحة كرة القدم بالمدرسة من قبل بعض الفتية العنصريين، فلا تجد الزوجة إلا أن تصب غضبها على «خان»، متهمة إياه بأنه السبب، فلو لم يأخذ الطفل اسمه، ولم تتزوجه هي لكان ابنها ما زال على قيد الحياة، ثم قالت له كما يردد الكثيرون في أميركا «أنت مسلم والمسلمون إرهابيون»، فيرد عليها «لا أنا لست إرهابيا»، ولكنها تواصل حوارها الغاضب «اذهب وفهم كل أميركي بأنك رضوان خان، وأنك لست إرهابيا.. اذهب إلى رئيس أميركا وقل له إن اسمك رضوان خان وانك لست إرهابيا»، فيقول لها ببساطة تعامله الحرفي مع الكلمات «وهل إذا قلت ذلك للرئيس تعيدينني إلى البيت معك؟» فتواصل في ضيق للتخلص منه «نعم .. حينها أعيدك..»!
رحلة البحث عن الرئيس الأميركي
ومن منطلق البراءة، الذي تتحرك من خلاله شخصية البطل، يبدأ بالفعل في تتبع الرئيس الأميركي أينما ذهب داخل الولايات المتحدة، مما يثير الشكوك حوله، ويتم القبض عليه بالفعل، ويُعاني أهوال التعذيب، وقتها يتغير الرئيس ليصبح أوباما، وكأن اللقاء ببوش لا يُجدي نفعاً، وأن رسالة البطل لن تجد صداها إلا عند أوباما، الذي بالفعل يلقى «خان» في النهاية، ويعتذر له عما فعلته العنصرية بطفلهم القتيل. يعقد الفيلم بذلك أمله في عهد أوباما في تصحيح صورة المسلمين، وأن قِلة منهم خرجت عن المسار الإنساني، وانتهجت الى العنف، ولا يمكن أن ينسحب مدلول كلمة «الإرهاب» على كل المسلمين.
محاولة للتصحيح
يحاول الفيلم إعادة تصيح صورة المسلمين في عين الغرب عموماً، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وقد نجح الفيلم في ذلك إلى حدٍ كبير، بداية من اختيار الموضوع، وأداء الممثلين الجيد، كما أن اللغة السينمائية الراقية التي استخدمها الفيلم لتوصيل هذه الفكرة ــ صفة الإرهاب لا تشمل كل المسلمين، ولا تقتصر على أتباع دين بعينه ــ بعيداً عن المباشرة الفجة، والخطابة التافهة، التي تقوم بها الندوات والمحاورات المجانية، التي لا توجه إلا إلى العقلية العربية والإسلامية، وقد حذف أصحابها الآخر
الغربي/الأميركي من الحسبان!
ولكن الملفت أن تأتي هذه التجربة من دولة مثل الهند، دون أن تحاول أي دولة عربية مجرد محاولة بعمل فيلم يناقش مثل هذه القضية المُلحة، لا بحجة الدفاع عن النفس، والدفع بعدم شبهة الإرهاب، ولكن بهدف توضيح الأمر للناس العاديين في الغرب، الذين تسيطر عليهم الصحافة والإعلام اليميني في معظم الأحوال، والذين يُصورون الإسلام والمسلمين، ثم العرب بأنهم مصدر الشر والتخلف ومعاداة الحضارة، ولكن ربما تكون السينما العربية مشغولة بهموم أخرى ــ بخلاف بعض الأعمال القليلة ــ تنحصر في تغييب الوعي العام للجمهور، والابتذال والسطحية في معظم الأحوال، وقد تكون مرآة عاكسة للتردي العام الذي تعيشه الدول العربية على كل مستوياتها، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وللمرّة الأولى من دون سخرية كما في الماضي هل سيصبح هناك وعياً للفيلم العربي ليحاول أن يكون على الأقل فيلماً هندياً؟!