السينما الهندية غرام التسلية والنهايات الحزينة!
السينما الهندية غرام التسلية والنهايات الحزينة!
: تحتل السينما الهندية المرتبة الأولى عالميا في انتاج الأفلام كما في عدد المشاهدين..ونجومها ونجماتها الكبار ليسوا اغنياء جدا فقط بل شبه مقدسين في بلد المليار.القبلات ليست الممنوعة الوحيدة في السينما الهندية، بل السياسة ايضا ، والسؤال المثار دائما : الى متى تبقى هذه السينما سينما تسلية فقط بدل ان تكون سينما توعية؟
، هوليوود الهندية
لصناعة السينما في العالم عاصمتان (هوليوود) الأميركية و(كان ) الفرنسية ، لكن هناك عاصمة ثالثة ايضا هي : بومباي الهندية ، والتي يسميها أبناء المهنة (بومبليوود) (بومباي/ هوليوود) ولا مبالغة اطلاقا في هذه التسمية ، لان بومباي لا توازي هوليوود في الانتاج السينمائي فقط بل تتفوق عليها بمعدلات عالية.ففي الهند عشرة آلاف صالة سينما ، والمشاهدون بحدود خمسة ملايين يوميا ، والهند تحتل المرتبة الأولى عالميا من حيث الانتاج السينمائي حيث تنتج حوالي تسعمائة فيلم روائي طويل سنويا ، نصفها من استديوهات بومباي ، اضافة الى الأفلام الوثائقية والقصيرة.
ومن صناعة السينما ومحلقاتها ، يعتاش حوالي العشرة ملايين هندي اضافة الى الآلاف من كبار نجوم التمثيل والاخراج ، حيث للنجومية مقاييس خاصة في الهند ، اكبر بكثير مما في الولايات المتحدة أو اوروبا ، وان كانت اقل منهما بمقياس الشهرة العالمية ، ذلك ان السينما وتوابعها من تليفزيون وفيديو وسي دي ، هي التسلية الشعبية الأولى على الاطلاق في هند المليار إنسان..ويكفي ان نعرف ان عدد المعجبين بالممثلة (سوشميتا سين) ملكة جمال الهند ثم ملكة جمال الكون لاحقا ، يقدر بمئات الملايين ..ومثلها ايضا النجمة (اميشا باتيل) المجازة في العلوم الاقتصادية من جامعة بوسطن الأميركية..ومثلهما ايضا النجمة (رايخا) الممثلة التي تتكلم بعينيها كما يلقبونها في الشارع الهندي والتي يقدر عدد جمهورها بحوالي الأربعمائة مليون هندي..وكل هذا عدا نجمة نجمات السينما الهندية على الاطلاق (ايشواريا راي) التي حصد أخر افلامها حوالي الستمائة مليون مشاهد.
واللافت في السينما الهندية ان عددا كبيرا من كبار نجومها ونجماتها يتقاضون رواتب سنوبة خيالية مقطوعة من استديوهات بومباي سواء صوروا افلاما أو لم يصوروا.والى ذلك وفي ظاهرة فريدة من نوعها ولا مثيل لها حتى في السينما الأميركية او الاوروبية أو غيرها ، فان اسماء كبار النجوم والنجمات لا تظهر على الملصقات الدعائية لافلامهم حيث يكفي ظهور صورتهم على ملصق الفيلم لكي يتهافت اليه عشرات أو مئات ملايين المشاهدين.
15 فيلما دفعة واحدة
وبالعكس مما تعانيه هوليوود من آن لآخر ، لا تعرف بومباي أي ازمات..لان ماكينة العمل والانتاج مستمرة على الدوام فيها ، ولأن القاعدة الذهبية فيها ان يعمل الفريق نفسه ، من الممثلين والتقنيين على انتاج خمسة عشر فيلما او اكثر في الوقت نفسه..وذلك بهدف خفض تكاليف الانتاج..اما الافلام المنتجة فهي بمعظمها مليودرامية موسيقية غنائية موجهة بالدرجة الاولى الى جمهور واسع جدا من العائلات الهندية.
وبالإجمال يتواصل دوام العمل في الاستديوهات الهندية الى الثماني عشرة ساعة يوميا..ولا أحد يتبرم من وتيرة العمل المرهقة هذه طالما ان النتائج العملية تثمر كسبا تجاريا واسعا..وطالما ان المهم بالنسبة للمشاهد الهندي الشعبي هو ان يشاهد الفيلم وليس أين يشاهده، وهكذا ففي حين تتمتع صالات العرض في المدن الهندية بشيء من الاناقة والفخامة ، فان عروض الأحياء الفقيرة أو الارياف قد تحصل في كاراج سيارات مثلا أو في معمل نسيج قرر صاحبه ان يوقف ماكيناته ويحوله الى قاعة سينما تدر ربحا اسرع واكبر ومضمونا أكثر.وبرغم كل ذلك يبقى الجمهور الهندي السينمائي في المرتبة الأولى عالما من حيث العدد ، حيث يصل معدل رواد السينما الى حدود 35 مليون مشاهد في الأسبوع.
قدسية النجم
واللافت في جمهور السينما الهندية ان اعجابه بنجومه المفضلين يصل الى درجة التقديس، وهذا ما يفرض على نجوم السينما الهندية ان يعيشوا نمط حياة محددا ، سواء على الشاشة أو في حياتهم الفعلية ، يراعون فيه المقاييس المفروضة عليهم من الجمهور وبحسب الصورة المكونة لديه عنهم..ومن هنا حرص نجوم ونجمات الشاشة الهندية على ان يتحاشوا أي عمل يمس بالقيم والاخلاق الشعبية الهندية ، خشية ان يخسروا شعبيتهم ، وعلى النجم ان يكون في حياته الفعلية متواضعا بعيدا عن مظاهر البذخ شعبيا يمشي بين الناس في الشوارع ويرتاد أسواقهم ومقاهيهم ومجالسهم الشعبية الفقيرة ، وان يكون سخيا كريما معطاء للفقراء والمتسولين والمعوزين..وكما تقول النجمة (رايخا) فان هذه التقاليد تكلف النجم أو النجمة انفاق ما يقارب نصف دخله..تقول : هذا لا يعني اننا نخوض تجارة خاسرة ، فنحن نتقاضي أجورا عالية جدا ولا بأس اذا استثمرنا قسما من هذه الأجور لدى جمهورنا الذي كلما ارتفع اعجابه بنا واقباله على افلامنا ارتفع اجرنا.
تضيف : الجمهور الهندي حساس جدا ، وعلى الممثل الجيد عنده ان يكون انسانا جيدا لأن استفزاز مشاعر الجمهور يؤدي الى انهيار شعبية الممثل ويصبح من الافضل له عند ذلك ان يبحث عن مهنة أخرى!.
اميتاب
(أميتاب باش شان) نجم السينما الهندية الأول على الاطلاق مثال واضح على هذه العلاقة الغريبة القائمة ما بين النجم والجمهور في الهند..عمره الآن ستون عاما ومع ان شهرته محدودة خارج الهند ، فهو يبقى بالتأكيد اشهر من (شارلي شابلن) أو (شون كونوري) أو حتى (مايكل جاكسون) من الناحية العددية.التجول في شوارع بومباي هو أجمل واخطر لحظات حياته ، فما أن يظهر (أميتاب) في احد الشوارع او الامكنة العامة حتى يحتشد حوله عشرات وربما المئات الالوف من الناس..يتقاتلون فيما بينهم للظفر بلمسة خاطفة ليده او لقميصه أو سرواله او حتى حذائه..والبعض قد يتباهى بأنه استطاع (اخذ البركة) بلمس غبار الأرض التي وطأها بحذائه..والفتاة العانس يبتسم لها ملاك الزواج اذا ظفرت بكلمة او بلمسة من (أميتاب) مبارك.
وفي صيف 1997 عندما اصيب (أميتاب) بجروح بليغة خلال تصوير لقطة من أحد افلامه ، صلت الهند كلها من اجل شفائه..ويومها اقسم عشرات الألوف من الصبايا والشباب بإحراق انفسهم احياء اذا مات (أميتاب) ولحسن حظه ، وبالأحرى لحسن حظهم ، انه شفي ولم يمت.ولان (أميتاب) ملياردير ، وهو أغنى رجل على الاطلاق في بومباي ، المصنفة كرابع أغلى مدينة في العالم ، فلطالما كان هذا النجم السينمائي هدفا دائما المافيات والعصابات المحلية ، التي تقوم بعمليات تبييض الأموال في ظل استوديوهات بومباي..وفي بومباي حدثت عمليات اطلاق نار من (عناصر مجهولة) على خمسة من كبار الممثلين خلال السنوات الأخيرة ، اما التهديدات بالابتزاز أو القتل فهي من الأمور شبه اليومية لدى مشاهير هوليوود الهند.
من هنا ضراوة وضخامة عدد رجال الحرس الشخصي الملازمين لـ(أميتاب) كظله ليل نهار..رغم ذلك يبقى (أميتاب) على طبيعته العفوية: صوفي متزهد ، شاعر حكيم ، لا يشرب ولا يدخن ولم يكن مفاجئا لاحد عندما فاز عام 1984م في الانتخابات النيابية وبفارق اصوات كاسح..والبعض يقول ان لدى (أميتاب) طموحا دفينا بان يكون (غاندي الهند الثاني) وهو على كل حال ينتمي الى حزب (المؤتمر) حزب (غاندي).غير ان (أميتاب) سرعان ما تخلى عن السياسة ليعود الى السينما..قال : في السينما استطيع ان اقدم للشعب ما تعجز البرلمانات والحكومات عن تقديمه له : الحلم..الحلم بحياة افضل!.
توعية أو تسلية؟!
وبالعكس من زميلها (أميتاب) الهندوسي ترى النجمة الهندية المسلمة (شبانا عزمي) ان ما تحتاج اليه هند المليار هو السياسة وليس السينما فقط..اذ ما نفع الحلم عندما يتحول الى مخدر يشغل الناس عن هموم واقعهم؟ (شبانا) عرفت كيف تجمع بين السينما والسياسة..فهي الآن عضو فاعل في البرلمان الهندي وفي الوقت نفسه مستمرة في مسيرتها السينمائية.وقد سلطت الأضواء على (شبانا) في كل الهند منذ عامين عندما حلقت كل شعر رأسها لضرورات تصوير أحد ادوارها السينمائية ، مما أثار مرجعيات مسلمي الهند الذين أصدروا فتوى بهدر دمها.(شبانا) تنتقد ايضا اقتصار السينما الهندية على الغناء والرقص والقصص الغرامية ، وتقول ان ما تحتاجه الهند فعلا هو سينما توعية وليس سينما تسلية ، وهذا ما آثار استياء اقطابا ستديوهات بومباي ضدها.
مدراس أيضا
ظهر أول فيلم هندي عام 1808م ويقدر عدد ما انتجته السينما الهندية حتى الآن بحوالي الثلاثين ألف فيلم ، بمعدل انتاج 900 فيلم سنويا ،يشاهدها خمسة ملايين هندي يوميا على عشرة آلاف صالة تصل سعة بعضها الى 3000 مقعد ، وفي الهند ايضا 750 مجلة متخصصة بالسينما.والهند اول واكبر منتج للسينما في العالم الآن..وان كانت العاصمة الكبرى للسينما الهندية ، فهي ليست الوحيدة في ذلك، اذ تنافسها مدينة مدراس ايضا التي تنتج حوالي 400 فيلم سنويا ، والتي اعطت للشاشة الهندية عددا كبيرا من كبار نجماتها ونجومها مثل :ستياجيت راي وميرنال سين ولالا منغشقر.
ولان الهند مجتمع زراعي ريفي بالدرجة الأولى فان حركة السينما تتراجع خلال مواسم الحصاد مما يضطر النجم الذي يقوم عادة بتصوير ثمانية او عشرة افلام في وقت واحد يتراجع الى ثلاثة أو اربعة افلام فقط.المخرج (ساتيش كوشيك) الذي اشتهر كثيرا بفيلمه المميز (الجسر) كان خريجا لامعا من معهد التكنولوجيا العالي في كالكوتا ، كما كان يشغل منصبا هاما في وزارة الدفاع ، لكنه تخلى عن ذلك وتفرغ للسينما (حيث العمل اكثر متعة وأكثر مردودا) كما يقول..وهو يعمل حاليا في عشرة افلام دفعة واحدة..فيلمه (الجسر) دار حول جسر (هواره) الذي يعتبره (كوشيك) السبب الرئيسي في حرب كشمير ، يقول : لقد تعمد المستعمرون الانكليز الإبقاء على هذا الجسر كقنبلة موقوتة لإشعال حرب كشمير..كان عليهم ان ينسفوه وان كان ثامن عجائب الدنيا بعد تاج محل . في الفيلم يشير (كوشيك) الى (أعداء الهند) لكن الرقابة تقطع مثل هذه الاشياء لان الغوص في السياسة الخارجية أو الداخلية هو من محرمات السينما الهندية، ومشكلة كشمير ممنوع اثارتها بالمطلق على الشاشة الهندية.
هو وهي والدموع
والإجمال فإن الأفلام الهندية أشبه بمباريات كرة القدم، تكرر نفسها دائما والجمهور لا يمل من مشاهدتها دائما.. فالقصة هي في الفيلم الهندي، ولا يتغير فيها شيء سوى الوجوه والأسماء وبعض التفاصيل المشهدية.. هناك دائما ثمة شابة فقيرة مغرمة بشاب غني، أو العكس.. وهناك دائما ثمة (الجوازة دي مش لا زم تتم) من جانب أهلها أو أهله.. والحبيبان دائما على قدر كبير من الوسامة والجمال و.. موهبة الغناء والرقص. هي ترقص وتغني حول شجرة أو وسط حديقة، وهو يغني ويرقص في السيارة أو في القطار أو فوق قمة جبل. والحبيبان نادرا ما يتخاطبان في الفيلم الهندي لأنهما نادرا ما يلتقيان، وإذا حصل والتقيا وتعانقا فإن مقص الرقابة جاهز دائما لقطع اللقطات الخادشة للأخلاق العامة.. وعلى أي حال فما نفع العناق والقبلات طالما ان الحبيبين سوف يفترقان في نهاية الفيلم.. فنهاية الفيلم الهندي هي بالإجمال نهاية محزنة مفجعة يقاس نجاحها الفني بمقدار ما تثيره من دموع المشاهدين.. فالبطلة ستموت انتحارا، أو بحادث أو مرض، في النهاية.. وإذا لم تمت البطلة يموت البطل.. ولا شيء يمنع أن يموت الاثنان في بعض الأفلام.
يبقي ان للإفلام الأميركية والأوروبية والعربية أيضا مكانا في قاعة السينما الهندية ، لكنها تبقى محدودة الجماهير وغير مربحة تجاريا إلا في الحالات النادرة مثل فيلم (تيتانيك) الذي كان على المشاهد ان يقضي أكثر من خمس ساعات واقفا في الطابور الطويل يحظى بشراء تذكرة دخول.. مع انه، مثله مثل باقي الأفلام الأجنبية المعروضة في الهند غير مترجم على إلى اللغة الهندية .ويتندرون في بومباي بقصة ذلك الشاب الهندي الذي شاهد فيلم تيتانيك أربعين مرة متواصلة على امتداد أربعين يوما.. كان يقف في الطابور مرة كل أسبوع ليشتري سبع تذاكر، مما أثار ريبة صاحب الصالة الذي ظن انه يبيع التذاكر في السوق السوداء، فاستدعى رجال الشرطة الذين اعتقلوه ثم أفرجوا عنه بعدما تبين من خلال التحقيق انه يشتري التذاكر لنفسه وأنه مهووس بفيلم تيتانيك مع انه لا يفهم كلمة واحدة من اللغة الانكليزية.
__________________
اللهم إني ثبت إليك فآغفر لي ما تقدم من ذنبي
|